مضمون الشبهة:
يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام يكره الزراعة، ويستدل أعداء الإسلام ببعض الأحاديث التي سنعرضها لكم ثم نعلق عليها
أولاً:
يستشهد أعداء الإسلام بالحديث التالي:
[عَنْ إِسْحَاقَ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ ، أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: " إِذَا تَبَايعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ "]
وأنا أرد عليهم وأقول:
الحديث السابق هو حديث ضعيف أصلاً، وليس له أي سند متصل صحيح ؛ فالراوي الذي يروي هذا الحديث هو أبو عبدالرحمن إسحاق بن أسيد ، وهو شخصية مجهولة أصلاً وفيه ضعف وليس له توثيق في كتب الرجال.
وإليك أقوال علماء الحديث عنه:
قال عنه الإمام أبو أحمد بن عدي الجرجاني أنه مجهول
وقال عنه الإمام أبو الفتح الأزدي أنه منكَر الحديث ، تركوه
وقال عنه الإمام أبو حاتم الرازي أنه ليس بالمشهور ولا يُشتغَل به
وقال عنه الإمام أبو حاتم بن حبان البستي أنه يخطئ
وقال عنه الإمام ابن حجر العسقلاني أنه فيه ضعف
وأشار الإمام يحيى بن عبد الله بن بكير إلى أنه مجهول بالنسبة له.
وأشار الإمام الذهبي فيما معناه أن هذا الراوي جائز الحديث بشرط أن يكون هناك متابعات وطرق أخرى صحيحة تثبت حديثه لكن حديثه هذا ليس له متابعات ، ولذا حديثه هذا ضعيف.
ولذلك عَلَّقَ شمس الدين السخاوي - في كتاب (الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية) ١/٢١٣ — قائلاً:
[سنده ضعيف. وإن كان أبو داود سكت عليه، لأن إسحاق وهو ابن اسيد نزيل مصر لا يُحتَج بحديثه وشيخه فيه مقال.]
وضعَّف هذا الحديث الإمام ابن حجر العسقلاني في كتاب (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) ٢/١٥١
والخلاصة أن الحديث السابق هو حديث ضعيف الإسناد ولا يصح أصلاً، وحتى الطرق الأخرى لنفس الحديث لا تتضمن عبارة (ورضيتم بالزرع) ، مع العلم أنها أيضاً طرق وأسانيد ضعيفة لا تصح، ولذا ورد في هامش كتاب (جواب الاستفتاء عن حقيقة الربا - ضمن «آثار المعلمي» ١٨/٣٥٢ - ما يلي:
[أخرجه أبو داود (٣٤٦٢) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٤/ ٣١٦) من طريق عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا. وعطاء يَهِم كثيرًا ويرسل ويدلس. وأخرجه أبو يعلى (٥٦٥٩) والطبراني في «الكبير» (١٣٥٨٥) والبيهقي في «الشعب» (١٠٨٧١) من طريقين عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر. وعطاء لم يسمع من ابن عمر. وأخرجه أحمد في مسنده (٥٠٠٧، ٥٥٦٢) من طريق أبي جناب عن شهر بن حوشب عن ابن عمر. وإسناده ضعيف لضعف أبي جناب وشهر بن حوشب.]
وحتى لو افترضنا أن الحديث السابق أسانيده صحيحة، فإن الحديث ليس فيه أي شيء مشين؛ فالحديث يخبرنا أن المسلم إذا اهتم بالبيع الربوي (بيع فيه ربا) وانشغل بالزرع وترك الجهاد ، فسيتعرض للذل في الدنيا...، وهذا أمر واقعي نشاهده اليوم بل وشاهدناه على مر التاريخ؛ فجميع الأمم التي اهتمت فقط بالزراعة دون تكوين جيش دفاعي قد تعرضت للغزو والاستعباد من غيرها.
انظر مثلاً إلى أهل أفريقيا على مدار القرن الماضي حين اهتموا بالزرع ورعي الماشية ولم يهتموا بتطوير جيش دفاعي، هل تعرف ماذا حصل لهم؟!
لقد تعرض أهل أفريقيا إلى الغزو والاستعباد والذل وتجارة العبيد على يد المحتل الأوروبي.
ولذا أي دولة محترمة اليوم تسعى لحماية اقتصادها وأراضيها وطعامها وشرابها عبر تكوين جيش دفاعي من المقاتلين وإلا فإن الآخرين سيسرقون ثرواتها.
فالحديث يحذرنا من ترك الجهاد والاقتصار على الزراعة فقط.
ويحذرنا الحديث من بيع العِينة وهو نوع من أنواع بيع الربا حيث يخسر أحد الطرفين وينال الآخر مالاً ربوياً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذا الواقع الأليم أدى بالخسارة والديون على كثير من الناس لدرجة أن بعضهم ينتحر هرباً من الديون.
ملحوظة: كلمة (رضيتم) المذكورة في الحديث قد ذُكر مثلها في القرآن الكريم في سياق قرآني يحذرنا من الاقتصار على الدنيا دون الآخرة حيث يقول الله تعالى:
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمۡ إِذَا قِیلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِیتُم بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا مِنَ ٱلۡآخِرَةِۚ فَمَا مَتَـاعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فِی ٱلۡآخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ﴾ [التوبة ٣٨]
ونفس الأمر ينطبق على الحديث السابق حيث يحذرنا الحديث من الاقتصار على الزرع دون تكوين جيش يحمي دولة الإسلام.
=====================
ثانياً:
يستدل أعداء الإسلام بالحديث التالي:
[حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، قَالَ: وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ : " لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الذُّلَّ "]
وأنا أرد وأقول:
الحديث السابق ليس فيه أي تحذير من الزراعة كما يظن أعداء الإسلام بل الحديث يعني أن القوم الذين اشتغلوا بالزراعة دون غيرها تجدهم عانوا من الذل على مدار التاريخ، ولذلك تلاحظ أن الفلاحين كانوا أكثر فئات المجتمع معاناةً للظلم والفقر والاحتقار والسجن.
لو سألت أي فلاح اليوم: هل ترغب في أن يكون ابنك فلاحاً أم مهندساً ، فسيجيب بأنه لا يريده أن يكون فلاحاً بل يريده أن يكون أفندي متعلماً.
فالحديث يتكلم فقط عن أن الفلاح يتعرض للذل ولهذا ذكر الحديث كلمة [الذل] ، وهذا واقع تاريخي نشاهده أمام عيوننا لكن الحديث النبوي لم يحرم الزراعة أبداً ولا ذكر شيئاً عن التحريم أصلاً.
والخلاصة أن الأحاديث السابقة ليس فيها أي تحريم للزراعة بل كل ما تتضمنه الأحاديث هو الإخبار بأن الفلاح يعيش حياة الشقاء والذل وليس النعيم.
واعلم يا صديقي أن النبي نفسه قد أخبرنا أن الزارع يكون له ثواب عند الله:
ورد في صحيح البخاري (٢٣٢٠)، ومسلم (١٥٥٣) ما يلي:
[عَن النَبيِ أنَّه قالَ: ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلّا كانَ له به صَدَقَةٌ.]
وقد حث النبي على الزراعة حيث ورد في صحيح مسلم (١٥٣٦) وصحيح البخاري (٢٣٤٠) ما يلي:
[عَن النَبيِ أَنَّه قالَ: مَن كانَتْ له أرْضٌ فَلْيَزْرَعْها، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَزْرَعَها وعَجَزَ عَنْها، فَلْيَمْنَحْها أخاهُ المُسْلِمَ]
فالخلاصة أن النبي محمد حَثَّ على الزراعة وإعمار الأرض لكنه لفت انتباهنا إلى أن حياة الفلاح يسودها الشقاء والذل. وهذا واقع نراه في حياتنا وعلى مر التاريخ كما وضحتُ منذ قليل.
=============
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بفضل الله تعالى
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته