مضمون الشبهة:
يزعم البعض أن عمر بن الخطاب فرَّق بين عورة الأَمة وعورة الحرة حيث جعل المرأة الحرة تغطي رأسها أما الأمة فأمرها بأن تكشف شعر رأسها. ويستدل أعداء الإسلام بالرواية التالية:
[عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ أَمَةً لآلِ أَنَسٍ رَآهَا مُتَقَنِّعَةً ، قَالَ: " اكْشِفِي رَأْسَكِ ، لا تَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ".]
------------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً:
بعض الشيوخ قديماً ظنوا أن عمر بن الخطاب أمر الأمة بكشف شعر رأسها، واستدلوا على ذلك ببعض الروايات الضعيفة، ولكنهم لم ينتبهوا إلى أنها روايات ضعيفة أصلاً، ولذا ناقش بعض المحققين هذه الروايات وأشاروا إلى ضعفها فعلاً وعارضوا الفتوى الخاطئة التي أصدرها بعض الشيوخ والتي تتضمن كشف رأس الأَمة.
وتعالوا بنا نعرض لكم هذه الروايات الضعيفة ثم نرد عليها واحدةً تلو الأخرى:
[عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ أَمَةً لآلِ أَنَسٍ رَآهَا مُتَقَنِّعَةً ، قَالَ: "اكْشِفِي رَأْسَكِ ، لا تَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ".]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة☝؛ لسببين:
السبب الأول أن الراوي/ قتادة مدلس مشهور بالتدليس، وهو في الدرجة الثالثة من المدلسين المكثرين من التدليس، وهذه الدرجة لا يُقبَل فيها حديثُ الراوي المدلس إلا إذا صرَّح هذا المدلس بسماعه لهذه الحديث من شيخه ، ويكون التصريح من خلال أن يقول (سمعت فلان) أو (حدثني فلان).
وقد قال الإمام الذهبي عن قتادة أنه مدلس معروف بالتدليس ، ويمكنك أن تراجع كتاب (سير أعلام النبلاء) 5/ 271
- وقال الطبري - في كتاب (تهذيب الآثار | مسند عمر) 2/ 871 - ما يلي:
[قَتَادَةَ مِنْ أَهْلِ التَّدْلِيسِ، وَلَا يُحْتَجُّ عِنْدَهُمْ مِنْ حَدِيثِ الْمُدَلِّسِ فِي الدِّينِ إِلَّا بِمَا قَالَ فِيهِ: (سَمِعْتُ) أَوْ (حَدَّثَنَا) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ]
- وقال بدر الدين العيني - في كتاب (عمدة القاري ١٠/٣٠٤) ما يلي:
[شُعْبَة قَالَ: كنت أنظرُ إِلَى فَم قَتَادَة، فَإِذا قَالَ: (حدثنا) كتبتُ، وَإِذا قَالَ: (عَن فلَان) أَو (قَالَ فلَان) لم أكتبه، وَهُوَ مُدَلّس دلّس عَن مجهولين. وَقَالَ الْكَرَابِيسِي وَغَيره: فَإِذا قَالَ المدلس: (حَدثنَا)، يكون حجَّة، وَإِذا قَالَ: (فلَان قَالَ)، أَو (عَن فلَان)، لَا يكون حجَّة، فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ]
- وقال الإمام/ ابن رجب الحنبلي - في كتاب (شرح علل الترمذي) ٢/٥٨٢ — ما يلي:
[وقال الشاذكوني: مَن أراد التدين بالحديث فلا يأخذ عن الأعمش، ولا عن قتادة إلا ما قالا: (سمعناه).]
- ويقول الزيلعي في كتاب (نصب الراية) 3/ 155 ما يلي:
[قَتَادَةَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: (حَدَّثَنَا)، وَلَا (سَمِعْت)، وَهُوَ إمَامٌ فِي التَّدْلِيسِ]
- وقال ابن حبان في كتاب (المجروحين) ٢/٨٦ — ما يلي:
[الثقات المدلسون الذين كانوا يدلسون في الأخبار مثل قتادة ... كانوا يكتبون عن الكل ويروون عمَن سمعوا منه، فربما دلَّسوا عن الشيخ بعد سماعهم عنه عن أقوام ضعفاء لا يجوز الاحتجاج بأخبارهم. فما لم يقل المدلس: (حدثني) أو (سمعت) فلا يجوز الاحتجاج بخبره حتى وإن كان ثقة.]
فـ(قتادة) معروف أنه يدلس الإسناد ، وقد يسمع الرواية من شخص مجهول ثم يُخفِي اسمه من السند. وبالتالي فإن الحديث السابق ضعيف ولا يصح.
ولكي أثبت لك أن قتادة دلَّس في الرواية السابقة فإننا سنعرض الرواية السابقة المروية من طريق (مَعمر عن قتادة) وسنقارنها برواية (شُعبة عن قتادة) لكي تشاهدوا الفرق أمام أعينكم
إليك رواية شُعبة عن قتادة👇:
[حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : "رَأَى عُمَرُ أَمَةً لَنَا مُتَقَنِّعَةً ، فَضَرَبَهَا ، وَقَالَ : لَا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ"]
إذا نظرت للرواية السابقة☝ فستلاحظ أنها لا تحتوي على عبارة: [اكشفي رأسك].
وطبعاً، سبب استشهادي برواية (شُعبة عن قتادة)، هو أن شُعبة كان يدقق وراء قتادة ويختبره في كل رواية ويسأله: «هل سمعها فعلاً من شيخه أم أنه يدلسها عنه»، فإذا كان قتادة دلَّسها فإن شُعبة لا يكتبها.
أما في الرواية الأولى التي هي عن (مَعمر عن قتادة) فستلاحظون أن الرواية فيها عبارة [اكشفي رأسك]، وهذا بسبب أن تلك الرواية وردت من طريق غير شُعبة وبالتالي فإن قتادة دلَّس فيها.
ولا يفوتني أن أنبوه على أن نقطة تدليس قتادة في رواية كشف الرأس قد نبَّه عليها الأستاذ الدكتور/ عبد السلام بن محسن آل عيسى في كتاب (دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية) 2/ 1054
والسبب الثاني أن هناك مشكلة في الرواية التي تتضمن عبارة [اكشفي رأسك]، فهذه العبارة مروية من طريق (مَعمر عن قتادة). والراوي معمر يرتكب العديد من الأخطاء في نقولاته من قتادة ، ولذلك يقول الشيخ/ مقبل بن هادي الوادعي في كتاب (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين) ١/٥٧ ما يلي:
[حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس به. وفي رواية معمر عن قتادة ضعف.]
- وذُكر في هامش كتاب (سلسة الفوائد الحديثية والفقهية لأبي أويس الكردي) ٤/٣٧٠ — ما يلي:
[وفي رواية معمر عن قتادة ضعف.]
- وقال الشيخ/ عدنان العرعور في (ديوان السنة - قسم الطهارة) ٤/٥٥٣ — ما يلي:
[هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان: الأولى: عنعنة قتادة، كما تقدم.
والثانية: ضعف رواية معمر عن قتادة؛ قال الدارقطني: «معمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش» (العلل ١٢/ ٢٢١). وقال ابن أبي خيثمة: «سمعتُ يحيى بن معين يقول: قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ أسانيده» (تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث ١٢٠٣).
وقال ابن معين أيضًا: «إذا حدثك مَعْمَر عن العراقيين فخفه؛ إِلَّا عن الزُّهري، وابن طاوس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا» (تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث ١١٩٤).
قلنا: وقتادة من أهل البصرة؛ لذلك اضطرب معمر في لفظه]
- وورد في هامش كتاب (موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان) - ١٢/٢١٥ — ما يلي:
[فيه علتان، الأولى: رواية معمر عن قتادة فيها ضعف، لأن سماعه منه كان وهو صغير.]
- وقال الشيخ/ حسن بن محمد الوائلي في كتاب (نزهة الألباب في قول الترمذي «وفي الباب») ٤/٢١٣٠ — ما يلي:
[وأما رواية معمر عنه فمعلومة الضعف عن قتادة، وقد كان يشك في سياق السند كما عند عبد الرزاق.]
- وقال الشيخ/ مصطفى العدوي في هامش كتاب (المنتخب من مسند عبد بن حميد) ٢/٢٢٩ ما يلي:
[ضعيف السند فرواية معمر عن قتادة فيها كلام، وقتادة مدلس وقد عنعن.]
- وقال الشيخ/ أبو إسحاق الحويني في كتاب (نثل النبال بمعجم الرجال) ٣/٣٦٥ — ما يلي:
[تكلم العلماء في رواية معمر عن قتادة:
* رواية معمر عن قتادة فيها مناكير. تنبيه ٤/ رقم ١٢٦٨
* رواية معمر عن قتادة فيها أغاليط. تنبيه ٩/ رقم ٢٠٨٤
* رجاله ثقات، وفي رواية معمر عن قتادة مقالٌ معروفٌ. والله أعلمُ. التسلية / رقم ٦٩
* ورواية معمر عن قتادة فيها ضعفٌ. . . الأمراض والكفارات / ١١١ ح ٤٧
* رواية معمر عن قتادة فيها ضعف ولكنه متابع كما رأيت. تنبيه ١٠/ رقم ٢١٦٧
* ورواية الجماعة أصح، ومعمر بن راشد كان يُضعَّفُ في قتادة. والله أعلم. تنبيه ١١/ رقم ٢٢٦٥
* معمر بن راشد: ولعل هذا الشك من معمر ففي روايته عن قتادة ضعفٌ. تنبيه ١٢/ رقم ٢٤٢٣
* معمر بن راشد من الأثبات، ولكن روايته عن قتادة ضعيفةٌ... تنبيه ٨/ رقم ١٨٣١
* وهذه الرواية مرجوحة، وكان معمر إذا روى عن قتادة أغرب.. الأمراض والكفارات / ٩٥ ح ٣٥
* وهذه رواية شاذة، ومعمر كان إذا روى عن قتادة وأضرابه وقع له تخليط. حديث الوزير/ ١١١ح ٦٣]
- وورد في القسم الثاني من المعجم الأوسط للطبراني ١/٥٩٠ ما يلي:
[وقال عبد الغني بن سعيد: إنَّ سماع مَعْمر من قتادة، وثابتٍ البُنَانيّ، فيه ضعفٌ؛ وليس هو في شيء أقوى منه في الزهري.
- وقال ابن معين: قال مَعْمَر: جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ عنه الأسانيد. وقال مالك: نِعم الرجل كان معمر، لولا روايته التفسير عن قتادة.]
والخلاصة أن رواية كشف رأس الأمة هي رواية ضعيفة كما قلنا منذ قليل
========================
والآن ، تعالوا بنا نناقش بعض الروايات الضعيفة الواردة في نفس الموضوع:
وردت في مصنف بن أبي شيبة رواية ضعيفة، وهي كالتالي:
[حدثنا هشيم ، عن خالد ، عن أبي قلابة قال: وإن عمر بن الخطاب لا يدع في خلافته أمة تقنع ، وقال عمر: إنما القناع للحرائر لكي لا يؤذَين.]
ولكن الرواية السابقة منقطعة ضعيفة الإسناد؛ فأبو قلابة لم يسمع من عمر بن الخطاب أصلاً.
ونفس الأمر ينطبق على الراوية الضعيفة التالية:
[قال أبو قلابة: إنَّ عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تقنع في خلافته، وقال: «إنما القناع للحرائر». وضرب أمةً لآل أنس رآها متقنعة، وقال: «اكشفي رأسك، ولا تشبهي بالحرائر»]
الرواية السابقة ضعيفة☝؛ فأبو قلابة لم يسمع من عمر بن الخطاب. وهناك مشاكل أخرى في السند.
******************
ووردت رواية أخرى ضعيفة وهي كالتالي:
[قال ابن سعد ، أخبرنا الفضل بن دكين قال أخبرنا أبو خلدة قال حدثنا المسيب بن دارم قال: رأيتُ عمر وفي يده درة فضرب رأس أمة حتى سقط القناع عن رأسها قال: «فيم الأمة تشبه بالحرة؟».]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة ☝؛ فالراوي/ المسيب بن دارم هو راوٍ ليس له توثيق معتمد في كتب رجال الحديث.
****************
ووردت رواية أخرى ضعيفة وهي كالتالي:
[عن عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى الْإِمَاءَ عَنِ الْجَلَابِيبِ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ.]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة ☝؛ فالراوي/ عطاء لم يدرك زمن عمر بن الخطاب ولم يسمع منه.
*****************
ووردت رواية أخرى ضعيفة ، وهي كالتالي:
[قال ابنُ جُرَيْجٍ: وَحُدِّثْتُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ عَقِيلَةَ أَمَةَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي الْجِلْبَابِ أَنْ تَجَلْبَبَ.]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة ☝؛ فالراوي ابن جريج لم يخبرنا من أين أخذ هذه الرواية بل هو يقول: [حُدِّثت] بصيغة المبني للمجهول.
**************
ووردت رواية أخرى ضعيفة وهي كالتالي:
[عن عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى الْإِمَاءَ أَنْ يَلْبِسْنَ الْجَلَابِيبَ.]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة ☝؛ فالذي رواها هو حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ، وهو لم يدرك زمن عمر بن الخطاب ولم يسمع منه أصلاً.
******************
وهناك رواية أخرى ضعيفة ، وهي كالتالي:
[روى محمد بن الحسن في كتاب «الآثار»: أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد ابن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب كان يضرب الإماء أن يتقنعن، ويقول: (لا تتشبهن بالحرائر).]
وهذه الرواية ضعيفة ☝؛ فالذي رواها هو إبراهيم النخعي وهو لم يدرك عمر ولم يسمع منه. ثم إن الراوي/ حماد بن أبي سليمان يخطيء كثيراً في سرد الآثار.
******************
ووردت رواية أخرى ضعيفة وهي كالتالي:
[عن عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ عُمَرَ رَأَى وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، أَمَةً خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ، تَجُوسُ النَّاسَ مُلْتَبِسَةً لِبَاسَ الْحَرَائِرِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ دَخَلَ عَلَى حَفْصةَ ابْنَةَ عُمَرَ، فَقَالَ: «مَنِ الْمَرْأَةُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِكِ تَجُوسُ الرِّجَالَ؟» - قَالَتْ: «تِلْكَ جَارِيَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ»، قَالَ: «فَمَا يَحْمِلُكِ أَنْ تُلْبِسِي جَارِيَةَ أَخِيكِ لِبَاسَ الْحَرَائِرِ؟ فَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْكِ، وَلَا أُرَاهَا إِلَّا حُرَّةً فَأَرَدْتُ أَنْ أُعَاقِبَهَا».]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة ☝؛ فالراوي/ ابن جريج معروف بالتدليس وهو هنا قد عنعن ولم يصرح بالسماع.
ونفس الأمر ينطبق على الرواية التالية الضعيفة:
[قال ابن جريج ، عن نافع: إن صفية بنت أبي عبيد حدثته، قالت: خرجت امرأة مختمرة متجلببة، فقال عمر: «من هذه المرأة؟» - فقيل له: «جارية لفلان، رجل من بيته، فأرسل إلى حفصة»، فقال: «ما حملك على أن تخمري هذه الأمة، وتجلببيها، حتى هممتُ أن أقع بها، ولا أحسَبها إلا من المحصنات؟! لا تُشبِّهوا الإماء بالمحصنات».]
هذه الرواية ضعيفة ☝؛ فالذي رواها هو ابن جريج وهو مدلس ولم يصرح بالسماع هنا....
******************
وقد وردت رواية أخرى ضعيفة وهي كالتالي:
[حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا حميد عن أنس أنه قال: جاء عمر بن الخطاب إلى أهله لحاجة فإذا في منزله امرأة عليها جلباب متقنعة به، فرجع حين رآها، ثم عاد فوجدها لم تبرح، ثم عاد فوجدها قد ذهبت، فلما دخل قال لأهله: «مَن هذه التي قد عنتنا منذ اليوم؟» - فقالت له امرأته: «يا أمير المؤمنين، ما كان عليك منها، هي أَمة فلان.» فلما راح قال: «أيها الناس لا تشبه الأمة بسيدتها».]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فـ(حُميد الطويل) لم يسمع معظم أحاديثه من أنس بل كان يأخذها من (ثابت البناني أو قتادة عن أنس) ثم يدلسها عنهم وينسب الرواية مباشرةً إلى أنس.
والغالب أن الرواية السابقة أخذها حُميد الطويل من قتادة ؛ فقتادة هو مَن تكلم في هذا الموضوع. ولكن المشكلة تكمن في أن قتادة نفسه مدلس أيضاً وقد يأخذ الرواية من شخص مجهول ثم ينسب الرواية مباشرةً إلى أنس.
ثم إن الرواية السابقة ليس فيها أمر بكشف شعر رأس الأمة كما يظن البعض. وهذه النقطة سنتكلم عنها بعد قليل.
*********************
وكما رأيتم بالأعلى ، فإنه لا لا لا يوجد حديث صحيح عن عمر بن الخطاب يقتضي كشف رأس الأَمة.
وأما بالنسبة للروايات التالية التي سأعرضها ، فإنه يمكن قبول سندها من ناحية الصحة، ولكن متن هذه الروايات لا يشير إلى وجوب كشف شعر الأمة كما يظن البعض. ودعونا نعرض لكم الروايات ثم نعلق عليها
وردت رواية كالتالي:
[حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: "دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَةٌ قَدْ كَانَ يُعَرِّفُهَا لِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ أَوِ الْأَنْصَارِ وَعَلَيْهَا جِلْبَابٌ مُتَقَنِّعَةً بِهِ ، فَسَأَلَهَا: «عَتَقْتِ» ، قَالَتْ : «لَا» ، قَالَ : «فَمَا بَالُ الْجِلْبَابِ ضَعِيهِ عَنْ رَأْسِكِ إِنَّمَا الْجِلْبَابُ عَلَى الْحَرَائِرِ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. فَتَلَكَّأَتْ ، فَقَامَ إِلَيْهَا بِالدُّرَّةِ ، فَضَرَبَ بِهَا بِرَأْسِهَا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْ رَأْسِهَا"]
ووردت رواية أخرى كالتالي:
[أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ الْوَلِيدِ يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَتْهُ ، قَالَتْ: خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةٌ مُتَجَلْبِبَةٌ، فَقَالَ عَمْرُ: «مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟» - فَقِيلَ لَهُ: «جَارِيَةٌ لِفُلانٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِيهِ» ، فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ : «مَنْ حَمَلَكِ عَلَى أَنْ تُخَمِّرِي هَذِهِ الأَمَةَ وَتُجَلْبِبِيهَا ، وَتُشَبِّهِيهَا بِالْمُحْصَنَاتِ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَقَعَ بِهَا ، لا أَحْسَبُهَا إِلا مِنَ الْمُحْصَنَاتِ ، لا تُشَبِّهُوا الإِمَاءَ بِالْمُحْصَنَاتِ»]
ووردت رواية أخرى كالتالي:
[حدثنا عبد الأعلى ، عن مَعمر ، عن الزهري ، عن أنس قال: رأى عمر جارية متقنعة فضربها ، وقال: «لا تشبهين بالحرائر»]
كما تلاحظون ☝، فإن الثلاثة روايات الأخيرة ليس فيها أمر صريح بكشف رأس الأَمة ولا تعرية شعرها بل الروايات تحدثت عن نهى عمر للأمة عن نوع معين من الملابس وهو (المقنعة والخمار والجلباب)، ولكن هذا لا يعني أن شعرها سيصبح عارياً كما ظن بعض الناس.
بل إن هناك ألبسة أخرى تكون تحت المقنعة وتحت الخمار وتحت الجلباب ، وهذه الملابس تغطي شعر الأَمة وجسدها...
فمن ضمن الملابس التي كانت تلبسها النساء قديماً لتغطية الرأس: (البُخنُق) أو (المحنك) وقد كان مستعملاً آنذاك حتى العصر العباسي، وهو غطاء يغطي الرأس، ويغطي العنق والصدر أيضاً، وكان يُلبَس تحت الخمار، وهناك أيضاً الغِفارة والصَوقعة وهما يُلبَسان تحت الخمار.
ولذلك يقول أبو منصور الثعالبي في كتاب (فقه اللغة وسر العربية) ١/١٧١ — ما يلي:
[البُخْنُقُ خِرْقَةٌ (قطعة) تَلبَسُها المَرْأةُ فَتُغَطِّي بِهَا رَأسَهَا.... ثُمَّ الغِفَارَةُ فَوْقَها ودُونَ (تحت) الخِمَارِ. ثُمَّ الخِمَار أكْبَر مِنْهَا. ثُمَّ النَّصِيفُ وَهُوَ كالنِّصْفِ مِنَ الرِّدَاءِ. ثُمَّ المِقْنَعَةُ. ثُمَّ المِعْجَرُ وهًوَ أصْغَرُ مِنَ الرِّدَاءِ وأكْبَرُ مِنَ المِقْنَعَةِ. ثُمَّ الرِّداءُ.]
* وهناك أيضاً المِعجر ، وهو ثوب تلفه المرأة على رأسها ويكون تحت الجلباب ، ولذلك يقول الأزهري في كتاب (تهذيب اللغة) 1/ 231 ما يلي:
[وَقَالَ غَيره: المِعجَر والعِجار: ثوبٌ تلفُّه الْمَرْأَة على استدارة رَأسهَا ثمَّ تجلبِب فَوْقه بجلبابها. وَجمع المِعجر المعاجر. قَالَ شمر: وَمِنْه أُخِذ الاعتجار، وَهُوَ ليُّ الثَّوْب على الرَّأْس من غير إدارةٍ تَحت الحنَك.]
وقال ابن السيد البطليوسي في كتاب (الاقتضاب في شرح أدب الكتاب) ٣/٩١— ما يلي:
[والاعتجار: إدارة المرأة المِعجر على رأسها ووجهها.]
* وهناك السيدارة ، وهي ملبس تلبسه المرأة على رأسها تحت المقنعة حيث يقول الصاحب بن عباد في كتابه (المحيط في اللغة) ٨/٢٨٠ — ما يلي:
[والسِّيْدَارَةُ: الوِقَايَةُ التي تكونُ على رَأْسِ المَرْأةِ تَحْتَ المِقْنَعَةِ.]
* وهناك أيضاً القُنزعة ، وقال عنها الأزهري في (تهذيب اللغة) 3/ 182 ما يلي:
[والقُنْزُعة هِيَ الَّتِي تتخذها الْمَرْأَة على رَأسهَا]
* وهناك أيضاً الجُنة، وهي تُلبس على الرأس وتغطي الوجه والصدر، وقد ذكرها ابن سيده في كتاب (المحكم والمحيط الأعظم) ٧/٢١٤ حيث يقول:
[الجُنَّة: خرقَة (قطعة) تلبسها النِّسَاء فتغطي رَأسهَا مَا قبل مِنْهُ وَمَا دبر غير وَسطه، ويغطى الْوَجْه وحلي الصَّدْر، وَفِيه عينان مجوبتان مثل عَيْني البرقع.]
* وهناك الريطة أيضاً، وهي قطعة من الصوف تلف الرأس وتُستخدَم للرجال والنساء؛ ففى إحدى مقامات الحريرى: «فإذا شيخ عارى الجلدة، وقد اعتم بريطة»
وفى أحد الأبيات لدى النويرى؛ يقول:
إذا التثموا بالرِّيَط خِلْتَ وجوهَهم ... أزاهَر تبدو من فتوق الكمائم
وهناك أسماء أخرى للثياب التي تستخدمها المرأة في تغطية رأسها مثل: الكُمة المدورة ، والبُرنس، والوقاية ، والأُرصوصة ، والمِشوش ، والحَطة ، والشال ، والشوذر ، والعصا، والخُنبُعة ، والخِبة ، والسَّلَبة (في المآتم)، والنَصيف......
ويمكنك أن تراجع كتاب (الملابس العربية في الشعر الجاهلي)
وكتاب (المعجم العربي لأسماء الملابس) — للدكتور/ رجب عبد الجواد إبراهيم
والخلاصة أن عدم لبس الأمة للمقنعة أو الخمار أو الجلباب لا يعني أن شعرها مكشوف.
وكذلك عدم لبسها للجلباب لا يعني أن جسدها عاري بل كانت النساء تلبس ملابس سواء تحت الجلباب أو فوق الجلباب، فمثلاً: الرداء موجود كملبس للمرأة، وقد ذكره الأزهري حين مقارنته بين الجلباب والخمار والرداء حيث يقول في كتابه (تهذيب اللغة) ١١/٦٤ — ما يلي:
[وَقَالَ اللَّيْث: الجلباب: ثوبٌ أَوسعُ من الخِمار دون الرِّداء، تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا وصدرَها.]
وهنا ملابس أخرى تلبسها المرأة مثل:الملحفة ، والعباءة ، والمِطرف ، والريطة والإزار ، والمُستقة ، والشَملة ، والحُلة (إزار+ رداء) وغيرها
* فأما بالنسبة للملحفة فهو لباس خارجي ، وذكره ابن سيده في كتابه (المحكم والمحيط الأعظم) ٣/٣٤٩ — حيث:
[اللِّحافُ والمِلْحَفُ والمِلَحفَةُ: اللبَاس الَّذِي فَوق سَائِر اللبَاس من دثار وَنَحْوه.]
* وأما بالنسبة للريطة ، فقال عنها الدكتور/ رجب عبد الجواد إبراهيم في كتابه (المعجم العربي لأسماء الملابس) - صفحة 230 ما يلي:
[الرَّيْطة: هى كل ثوب أبيض لين دقيق؛ والجمع: رَيْط ورياط. قال الشاعر:
لا مَهلَ حتى تلْحقِى بعَنْسِ ... أهلِ الرَّياط البيض والقَلَنْسى]
وقال أبو القاسم الفارسي في كتاب (شرح حماسة أبي تمام) ٣/١٤ — ما يلي:
[والبيض يرفلن كالدمى في الريط والمذهب المصون]
* وأما العباءة فكانت تلبسها الرجال والنساء، وقد ذكر الحميري في كتاب (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم) ٧/٤٣٣٢ — ما يلي:
[قالت الكلبية أم يزيد بن معاوية:
لَلُبس عباءة وتقرَّ عيني ... أحب إلي من لُبس الشُّفوفِ]
* وأما المِطرف ، فقال عنها الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه (العين) ٧/٤١٦ — ما يلي:
[والمِطْرَفُ: ثوبٌ كانت الرّجالُ والنِّساءُ يَلبَسونه، والجميعُ: مَطارِف]
* وأما الشَملة ، فقال عنها الصاحب بن عباد في كتاب (المحيط في اللغة) ٧/٣٣٩ — ما يلي:
[والشَّمْلَةُ: ثَوْبٌ يُدِيْرُه على جَسَدِه كلِّه لا يُخْرِجُ منه يَدَه.]
* وأما المُستقة ، فهي نوع من الفرو طويل الأكمام وكان موجوداً في عهد عمر بن الخطاب.
* وأما الحُلة، فهي مكونة من جزئين غالباً وهما: الرداء والإزار حيث يلبسهما الشخص ليعطي الجزء الأعلى والأسفل من جسده.
وهناك أثواب تلفها النساء حول جسمها مثل: المِرط، والمرط يستخدمه الرجال والنساء، وهو عبارة عن قطعة قماش يلفه الشخص حول جسده ، وقد تتلفع به المرأة.
وأما بالنسبة للوجه فهناك الرصيص الذي هو نقاب المرأة إذا أدْنته من عينيها ، وهناك البرقع، وغير ذلك من الأشياء التي تغطي الوجه...
وهناك نقطة مهمة وهي أن عمر بن الخطاب كان يهتم بمسألة تمييز كل فئة مختلفة بملابسها حتى لا يحدث التباس بين الناس؛ ولذلك نهى عن تقليد المسلمين لليهود والنصارى في الملبس ، وكذلك نهى اليهود والنصارى عن تقليد المسلمين في الملبس، وكذلك نهى الأَمة عن تقليد نساء المسلمين في الملبس. وهذا ليس له علاقة بالعنصرية بل إن عمر بن الخطاب كان يحب تمييز الفئات المختلفة حتى لا يختلط الحانل بالنابل؛ فمثلاً: في زماننا رأيتُ الكثير من اليهوديات والمسيحيات يشترين ملابس المسلمات من المحل التجاري ثم يصورون مقاطع فيديو خادشة للحياء من أجل تشويه صورة المرأة المسلمة والطعن في حجابها. والحمد لله أنه مكننا من فضح الكثير من تلك المؤامرات بالدليل القاطع.
ثم إنه في زمان عمر بن الخطاب، كان هناك بعض الإماء غير المسلمات، ولذلك فضَّل عمر أن يكون للإماء زي مخصص.
وفي بعض الروايات السابقة ستلاحظ أن الأَمة كانت تلبس لباس المسلمات وتجوس بين الرجال؛ أي تطوف بين الرجال. وهذا قد يشوه منظر المرأة المسلمة ويوهم الناس بأن المرأة المسلمة تتعمد أن تختلط بالرجال؛ ولذلك أمر عمر بأن يكون لتلك الأَمة ملبس معين يختلف عن لباس المرأة المسلمة.
وقد علَّق الدكتور الشيخ/ عبد العزيز العيدان - على رواية عمر مع الأمة وقال:
[واختار ابن عثيمين: إن الأَمة كالحرة؛ لأن الطبيعة واحدة والخلقة واحدة، والرق وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيتها، ولا دليل على التفريق بينها وبين الحرة.]
فعورة الأَمة هي نفس عورة الحرة ولا تفريق بينهما كما يقول الشيخ ابن عثيمين.
راجع كتاب (الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات) 3/ 11 — للشيخ/ عبد العزيز العيدان
---------------
وأخيراً:
أختم بنقطة مهمة وهي أن نفس الروايات التي تحدثت عن موقف عمر من الأَمة هي نفس الروايات التي قالت أن عمر نهى الإماء عن الخروج بزينتهن حتى لا تفتن الناس
ورد في مصنف عبد الرزاق ما يلي:
[عن عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ رَأَى جَارِيَةً خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ مُتَزَيِّنَةَ عَلَيْهَا جِلْبَابٌ، أَوْ مَنِ بَيْتِ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَدَخَلَ عُمَرُ الْبَيْتَ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ؟» - فَقَالُوا: «أَمَةٌ لَنَا»، أَوْ قَالُوا: «أَمَة لآِلِ فُلَانٍ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ»، وَقَالَ: «أَتُخْرِجُونَ إِمَاءَكُمْ بِزِينَتِهَا، تَفْتِنُونَ النَّاسَ؟»]
فلماذا أعداء الإسلام لم يأخذوا الرواية السابقة بالرغم من أنها تتعلق بنفس الموضوع؟!
___________________________
مقالات أخرى ذات صلة:
1- الرد على كذبة رواية: [كن إماء عمر يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضرب ثديهن]
https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2025/02/blog-post_9.html
2- الرد على كذبة أن عورة الأمة ما بين السرة إلى الركبة:
https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2024/12/blog-post_30.html
3- الرد على كذبة أن عورة الأمة من معقد إزارها حتى ركبتها:
https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2024/08/blog-post_13.html